الصفحة الرسمية للمحامي محمد العثمان
الصفحة الرسمية للمحامي محمد العثمان

بين يدي الجبابرة!

365 يوما في العام تواجهنا منعطفات وتحديات مهنية – اجتماعية أو وسط عائلاتنا في بيوتنا! أحيانا يواجه الإنسان أكثر من منعطف وتحد على أكثر من صعيد في الوقت نفسه، ولاشك أن تلك التحديات أو المنعطفات تلقي مجتمعة أو منفردة ظلالها على نفسياتنا وأوضاعنا وتؤسس لما بعدها من حياة.
حين كنت أكتب عمودا بصورة منتظمة في الصحافة كنت أعيش معاناة الناس وآلام المجتمع بصورة بعيدة عن الشخصنة، حيث ما أعرضه من خلال الكتابة الصحافية نادراً ما يتعلق بقضية شخصية لأحد الأفراد في المجتمع، إذ غالبية القضايا المتناولة خلاصة ما يتحدث ويشعر به الناس تجاه الأحداث اليومية أو ما يُعرف بـ “الماجريات”، أو ما يجري، ملاحقة الماجريات أمر مرهق، ولئن كان للكاتب الصحافي أو الناقد السياسي أو العامل في حقل من حقول الشأن العام ملاحقة الماجريات فليس هناك أي عذر لرجل الشارع العادي في ملاحقته هذه الماجريات؟! في الماضي كانت الكتابة الصحافيّة بالنسبة لي عناوين عريضة في حياة الناس العامة؛ مصائرهم والأحوال والظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة، والعالم. لذا، حق القول على العمل في الصحافة الحرّة انها “مهنة المتاعب”.
اليوم، وأنا أجلس خلف طاولة مكتبي في المنطقة الدبلوماسية، وأستدير بمقعدي في مواجهة الطريق المؤدي إلى مجمع المحاكم، وألمح حركة الناس دخولا وخروجا، أو حين أقلّب ملفات الدعاوى، وهي مجموعة من الأوراق مُحبرة بآلام الناس ومصائرهم الشخصية، أقول: أية مضغة بين حنايا ضلوع هذا المحامي؟! يقرأ ويعيش وينام ويصحو على قضايا موكليه، هذا ينتظر منه رأيًا واستشارة، وذاك يسأل عن مخرج لمأزق وضع نفسه فيه، وآخر يريد سماع منطوق حكم صدر بحقه.. إلخ. ولو تأملت الحال لصدقت وصف مهنة المحاماة بـ “مهنة الجبابرة”، من المهم، لي شخصيا – على الأقل – التأكيد على القواسم المشتركة بين الصحافة والمحاماة وهي: الناس، الحبر، الألم، الهموم، متلازمة البحث عن حل، التفاعل العاطفي.. وغيرها الكثير من المشتركات العامة من مثل؛ الاستقلالية، الكلمة الحرّة، الضماير، الرسالة، الوضوح، المواجهة، الحجج.
ولو أخذنا على سبيل المثال مبدأ “الاستقلالية”، لوجدنا أن هذا المبدأ هو المبدأ رقم واحد في حالة المحامي أو الصحافي، وهو ركيزة العمل، فلا سلطان على الإرادة، حيث المحامي حر في قبول أو رفض قضية، إلا في حال الانتداب في الجنايات، ولا يُجبر على تمثيل موكل غير مقتنع بدعواه أو يدافع عن حق ليس لديه يقين فيه، أو ينصر أحدا لا يعتقد بمظلوميته، والحال كذلك بالنسبة للصحافي.. الصحافيون أحرار لا سلطان على إرادتهم في القضايا التي يدافعون عنها أو في الآراء التي يعرضونها. 
يُلاحظ أنه من غير مبدأ الاستقلالية لا يمكن للمحامي أو الصحافي النهوض برسالته والتكلم متمثلا ضميره؛ بالغًا حد الكفاية في نصرة ما يعتقده حقًا ودفع ما يعتقد بطلانه، متوشحا أخلاق الناسك في محرابه، حاملاً شعلة الحق في أديم الليل!. اضغط هنا لقراءة المقال من جريدة البلاد